جتك خيبة!!0

تناقشت والعائلة في أمر العشاءواستقر الرأي بسرعة على البديل المحتوم –في الغالب- إن لم يكن في البيت ما يؤكل-أو ما يستحب أن يؤكل-:الفولوالطعمية ,وانتقلنا –بسرعة أيضا- من النقاش إلى المرحلةالأخرى:الشجار00فتشاجرنا على المطعم الذي نأتي بالعشاء من عنده واستقر الرأي على مطعم مشهور في الأكلات الشعبية لا بالقريب ولا بالبعيد

---------------

نزلت إلى الشارع مسرع الخطا –كعادتي إذا سرت وحدي-قاصدا المطعم ولم يطل السير إذ بلغته بسرعة ..هاهو الترتيب من تلك الناصية على اليسار :المدرسة الابتدائية ثم المقهى فالمطعم00قصدت رجل الحسابات بالمطعم مادا يدي بالنقود بروتينية قائلا:بجنيه فول وجنيه طعمية00أخذت ورقة الطلبات سريعا إذ لم يكن هناك كثير من الناس لحسن الحظ 00في ثوان أخذت كيس الفول-ما خطب المجتمع سريع اليوم..كم هذا ممل!!-ووقفت قليلا انتظر الطعمية ..هاهو الرجل أتى بالعجينة الخضراء ..يغمس يده فيها قاذفا بعض النقاط في سائل أسود ..النقاط هي الطعمية والسائل الأسود هو الزيت بالطبع ..كم أنا عبقري !!0

---------------

شارد أنا في وقفتي كالعادة ,سددت نظري إلى المقهى المجاور ناشدا بعض المتعة في مشاهدة الناس..مراقبة هؤلاء ممتعة حقا!!0استغل صاحب المقهى رصيف المدرسة الواسع المنبسط فشغله بالطاولات والكراسي البلاستيكية وقد استقر المقام بمرتادي المقهى فيها00يجلس هذا الرجل على طاولته غير بعيد عن الباب وأمامه كوب الشاي يرتشف منه بين الفينة والفينة ,وجليسه يأخذ من الشيشة ما كتبه الله له من أنفاس ..محدثا الآخر بين حين وحين00
و مابين هذا وذاك ..الروتين نعم الروتين :فهذا يرشف الشاي في روتين ممل اعتاد رغم ملله أن يشفي غليله من الحياة بجرعات الشاي الساخنة وهي تهبط في جوفه حارقة صدره ,والآخر يأخذ أنفاس الشيشة بروتين ليس بأقل مللا وهو لا يدري لم أدمنها من الأساس ..هي فقط عادة اعتاد عليها غير باخل على نفسه هو الآخر بالتخفف من أثقال دنياه مع الدخان المتراقص المنبعث من انفه وفمه00ولا يكسر هذا الروتين سوى روتين آخر ..فما بين رشفة شاي وأخرىأو نفس شيشة وآخر بعض الأحاديث المعروفة مسبقا ..فهي أحاديث لا غاية منها سوى سد فراغ الوقت القاتل,ثم تعود الشفاه فترتشف الشاي أو تستضيف مبسم الشيشة ليبدأ نفس آخر00أما ما يدمر الروتين تدميرا ويمحوه من الوجود محوا فهو التلفاز,وليس التلفاز بحد ذاته باعثا على قتل الروتين بل تلك الفتاة الكاسية العاريةالتي تتراقص في أحد الكليبات وتتلوى لا فرق بينها وبين الثعبان في شيء..وقد التصق ما ترتديه من قليل الثياب بلحمها الرخيص فصارا كيانا واحدا وتصير كلها متاعا للناظرين ..تحملق العيون التي اتسعت فجأة بعد خمول الروتين والملل-شوف ربنا!!-بينما فضل بعضهم طريق النفاق فاختلس النظر بسرعة إلى التلفاز حتى لا يقدح في أدبه الذي تعب كثيرا حتى أتقن تمثيله..تظل عيونهم معلقة بالتلفاز حتى تنتهي الأغنية وينتهي الرقص ويعود الروتين والملل-
مؤقتا-حتى تظهر أغنية أخرى كسابقتها 00

-------------
يا أستاذ..الطعمية يا أستاذ0

آه معلش بجنيه مش كده

أه

طب متشكر ..السلام عليكم0

وعليكم السلام ورحمة الله!!0
لكنني لم أغادر ..فقط ادرت ظهري شطر المقهى مرة أخرى وحملقت فيها وفي روادها فيما يشبه البلاهة الذاهلة..لماذا يجلس هؤلاء هكذا..يلعنون
شرور الحياة ويرتكبونها في أوقات فراغهم,يلعنون الحكم وأهله وهم أشد منهم استبدادا في بيوتهم وعلى أهلهم..يريدون حياة وردية مفعمة بالأمل لا يفعل فيها المحرمات إلا هم!!0كم هم أشرار00

يعني انت عملت ايه يافتك ..مانت زيهم فرقت ايه عنهم يعني..حياتك كلها آكل أشرب إإح انام..جتك خيبة!!0
اللعنة على هذا الهاتف..إنه الجزء الأبيض الوحيد المتبقي من النفس..إنه ذلك الذي يصر دائما على عرضك أمام االحقيقة عاريا لا عذر لك في تقصيرك ولا تمتلك شيئا لتبرر به..كم اكره أن أواجهه,لكنه في نهاية المطاف لا حيلة له في شيء فقط يذكرك,وما علينا إلا العصيان المبين!!0
أما المؤسف فعلا فهو يكدر عليك نفسك فرغم شروري الكثيرة مازالت في قطعة من ضمير لا تكف عن دورها الأزلي في

التأنيب إذا ما جائني الهاتف اللعين,يبدو أن مفعوله قد ابتدأ فطأطأت رأسي في استكانة ذليلة وجررت قدمي المتثاقلة متخذا مسار العودة جارا ورائي أذيال الخيبة ..وجتني خيبة!!0